الجودة من (أجاد) أي أحسن.. يقال (فلان تكلم فأجاد، أي تكلم فأحسن..
فلان عمل فأجاد أي عمل فأحسن) وعكسه (تكلم فأساء وعمل فأساء).
· والجودة تعني الاتقان كما تعني في مستوياتها العالية التفوق والإبداع..
· والجودة هي نتيجة الاهتمام أساساً بالكيف والنوع لا بالكم.
· والجودة في المصطلح الحديث ارتبطت – إجمالاً – بالجوانب الاقتصادية
والتنظيمية (الجودة الإدارية)
(الجودة التصميمية) (الجودة الصناعية) (الجودة الزراعية)..
· والجودة في هذه المجالات باتت محكومة بمواصفات ومعايير ومقاييس، ولم تعد خاضعة
للمزاج والذوق الشخصي..
وبالتالي فإن الإنتاجية الجيدة باتت تحتاج إلى شهادة جودة من شركات
ومؤسسات نشأت
لهذه الغاية (ملحق رقم 1).
وقد جاء في كتاب (إدارة الجودة الشاملة) للدكتور عادل الشهراوي ما يوضح
(نظام الجودة ومواصفاتها القياسية الدولية آيزو 9000) بالنسبة لأي إنتاج.
قد لا أكون مبالغاً إذا قلت إن الإسلام – عقيدة وشريعة وأخلاقاً – وكفلسفة للكون
والإنسان والحياة، هو كمال الجودة وتمامها.. ومن خلال ذلك نفهم البعد اللانهائي
في قوله تعالى:الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً (المائدة : 3)
وكيف لا يكون الإسلام كمال الجودة والإبداع وهو دين الله ]
بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ (117) [ (البقرة).
"بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ
شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (101) ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ
وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)
لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103)
قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ
عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (104) (الأنعام).
إن الإبداع البشري هو أثر ومظهر من آثار ومظاهر الإبداع الرباني.. بل إنه وظيفة تكليفية
ومسؤولية شرعية وليس خياراً بشرياً قبله الإنسان أو رفضه
أيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (37)
ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى (39)
أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى (40) [ (القيامة)
وإذا كانت الجودة مظهر من مظاهر الإحسان ونتيجة من نتائجه..
فإن الإسلام دعوة مطلقة إلى الإحسان:صِبْغَةَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ
صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدونَ (138)
(البقرة).
وفي قوله تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (هود : 7) إشارة واضحة إلى أن
الجزاء يتعلق بكيفية الأداء كائناً ما كان هذا الأداء..
وكذلك في قوله تعالى:إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (7)(الكهف)
وفي قوله تعالى:الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2)(الملك).
الإنسان الذي أبدع الله خلقه مدعو إلى الإبداع:
إن من الشكر لله على إبداع خلقه يفرض على الإنسان أن يكون محسناً مبدعاً
في عمله وصنعته ومهنته كائناً ما كانت.. ففي قوله تعالى:لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ
فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4)(التين) .. دلالة واضحة على جودة الخلق وإحسان الخالق وإبداعه..
وكذلك في قوله تعالى:وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12)
ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا
الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ
فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) (المؤمنون).
إن من البديهي أن يدعو المبدع إلى الإبداع وأن يحض المحسن إلى الإحسان..
وهذا شأن منهج الله في دعوته الإنسان إلى الجودة والإبداع والإحسان..
وصدق الله تعالى حيث يقول: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً
مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ(النساء : 125).
ويقول تعالى: ]وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً(البقرة : 83)
وفي الخطاب النبوي دعوة واضحة بينة إلى الجودة والإتقان والإبداع والإحسان..
مثال ذلك في قوله r: "إن الله تعالى يحب من العامل إذا عمل أن يحسن" رواه البيهقي..
وكذلك في قوله : "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" للبيهقي..
ولكم أعجبني ما أورده الأستاذ عبد الرحمن حبنكه الميداني في كتابه
(العقيدة الإسلامية وأسسها) حيث أصاب كبد الحقيقة (راجع الكتاب المذكور).
شمولية المنهج وشمولية الجودة:
إن شمولية المنهج الإسلامي وتغطيته لكل جوانب الحياة توكبها دعوة إلى الجودة والإتقان
على نفس الامتداد والإتساع.. وبذلك يكون الإسلام منهج الشمولية والجودة والإتقان
في عموميات الحياة وفروعها وتفاصيلها..
قد ينتظر البعض أن يكون الكلام عن المسلمين والجودة.. وقد يستغرب آخرون حصر
الكلام عن الجودة بالإسلاميين.. وللجواب على ذلك أقول إن مطالبة الخاصة يجب ان
تسبق مطالبة العامة.. فإن غابت الجودة في النخبة، فبديهي أن تكون معدومة في الدهماء..
فبقدر الموقع يكون التكليف، وبقدر الإدعاء تكون المسؤولية.. من هنا كان الإسلاميون مطالبين
بإعطاء المثل الأعلى في الإتقان والجودة، لأن في ذلك نجاحهم في الدنيا وفلاحهم في الآخرة.
ومن هنا يجب أن نعترف كإسلاميين أننا على جانب كبير من التقصير في الأخذ
بأسباب الإتقان والجودة في كل جوانب عملنا.. نحن كإسلاميين طالبون بأن نحتكم إلى موازين
ومقاييس ومعايير الجودة التي لفت إليها، أو أشار إليها، أو حددها، أو أوجبها، أو حض عليها،
أو فرضها.. الدين القيم الذي ندعو الناس إليه؟؟!
نحن مطالبون بأن نتقن عبادتنا وأخلاقنا وأعمالنا، وأن نحسن في أقوالنا وأفعالنا وخطابنا
وأدائنا، وأن نتميز في موافقنا وسياساتنا وعلاقاتنا.. وأن نتطور في تخطيطنا
وتنظيمنا وإدارتنا، وأن نتقدم في إنتاجنا وعطائنا.
إن الإتقان والتقدم والتطور المؤدي إلى الجودة يحتاج إلى التأهيل والتدريب كما يحتاج
إلى العلم والخبرة. وبلوغ القمة يحتاج إلى الهمة والإرادة كما يحتاج إلى الثقة والإيمان.
وصدق الشاعر حيث يقول: قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل.
جوانب الجودة في المنهج الإسلامي:
- لصحة العقيدة وجودتها يشترط ما يلي:
إفراد الله تعالى في الألوهية والعبودية والحاكمية.
تنزيه الإيمان عن أي شرك حتى (الرياء) مصداقاً لقوله تعالى
التعرف على الله من أسماء وصفات تليق بجلاله، مصداقاً لقوله "لله تسعة وتسعون اسماً –
مائة إلا واحداً – لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر" رواه البخاري ومسلم.
التعرف على سنن الله تعالى في الكون والإنسان والحياة
التفكر في خلق الله وليس في ذاته، امتثالاً لقوله : "تفكروا في خلق الله، ولا تتفكروا
في ذات الله، فإنكم لن تقدروه قدره" رواه أبونعيم الأصباني.
أما صفات الله تعالى فقد أشارت إليها آيات كثيرة من القرآن الكريم..
والمطلوب اعتماد رأي السلف فهو أولى بالاتباع حسماً لمادة التأويل والتعطيل،
وعدم الحكم بكفر أو فسوق.. لتأويل الخلف.
وبديهي أن تكون أركان الإيمان شهادة الجودة في صحة العقيدة، وهي: الإيمان بالله،
وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى.
ولصحة العبادة وجودتها يشترط ما يلي:
أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. فقد سئل رسول الله r عن (الإحسان)
فقال: "أن تعبد الله مأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" متفق عليه. فللصلاة شروط
لوجوبها وهي (الإسلام، والبلوغ، والعقل، والطهارة) ولها شروط لصتحها
وهي: (الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، الوضوء، ستر العورة، العلم ب
دخول الوقت، واستقبال القبلة). كما أن للصلاة أركاناً هي: (النية، القيام مع القدرة،
تكبيرة الإحرام، قراءة الفاتحة، الركوع، الطمأنينة في الركوع، الاعتدال في الركوع، الطمأنينة
في الاعتدال، السجود، الطمأنينة في السجود، الجلوس بين السجدتين، الطمأنينة في الجلوس
الجلوس الأخير، التشهد، الصلاة على النبي ، واعتماد الترتيب المذكور اتباعاً لسنة
رسول الله حيث يقول: "صلوا كما رأيتموني أصلي".. ثم هنالك سنن للصلاة بعد الدخول فيها..
وكل هذا يتعلق بالجانب العملي والتنظيمي للصلاة.إنما هنالك جوانب أخرى "عقلية وقلبية"
لا بد من تحقيقها ضماناً للجودة، ولقبول الله تعالى لها.. من ذلك:
حضور العقل: لقول رسول الله : "ليس للإنسان من صلاته إلا ماعقل منها".
حضور القلب: لقول رسول الله: "لا ينظر الله إلى الصلاة لا يحضر الرجل فيها
قلبه مع بدنه" مسند الفردوسي. وروي عن الحسن رضي الله عنه أنه
قال: "كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع" وهذا مناط
قوله : "كم من قائم حظه من صلاته التعب والنصب" للنسائي.
هذه بعض الجوانب والصفات والشروط المطلوبة لصحة الصلاة، ولقبولها من الله جل وجلاله
وكلها تؤكد على وجوب جودة الأداء وإتقان الممارسة.. إنها نفس المنهجية المعتمدة في كل
جانب من جوانب الإسلام كما سنرى..ثم إن للصلاة أهدافاً يجب تحقيقها، وتتمثل في الارتقاء
بالإنسان في مدارج الكمال البشري (عفة واستقامة وأخلاقاً وشفافية)
مصداقاً لقوله تعالى:ومن هنا كان قوله : "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء
والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً".
وكما أن للصلاة شروطاً ومعايير ومواصفات كذلك الحال في الصيام والزكاة والحج..
ويمكن مواجعة ذلك كتب الفقه وكتب (التزكية).. ولا أرى لزوماً لتناولها في هذا المقام
حرصاً على الاختصار والتوازن..
ولجودة قراءة القرآن يشترط التالي:
إدراك فضل قراءة القرآن ومقام التالين والسامعين لآياته:
وفي وصية رسول الله r لأبي ذر: "عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر
لك في السماء" لابن حيان.
(إن هذا القرآن (مأدبة الله) فاقبلوا مأدبته ما استطعتم.. إن هذا القرآن حبل الله،
والنور المبين، والشفاء النافع.. عصبة لمن تمسك به، ونجاة لمن اتبعه، لا يزيغ فيستعتب،
ولا يعوج فيقوم، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق من كثرة الرد، أتلوه فإن الله يأجركم على
تلاوته، كل حرف عشر حسنات. أما إني لا أقول لكم (الم) حرف،
ولكن: ألأف ولام وميم) رواه الحاكم
التزام أحكام القرآن (حرامه وحلاله) وصدق الرسول حيث
يقول: "ما آمن بالقرآن من استحل محارمه" للترمذي.
استجلاب الخشوع والحزن، لقوله : "إن هذا القرآن نزل بحزن، فإذا قرأتموه فتحازنوا"
رواه أبو نعيم في الحلية.
إحسان التلاوة وتجميل الصوت لقوله : "جملوا القرآن بأصواتكم" وقوله: "ليس
منا من لم يتغن بالقرآن" وقوله: "إن من أحسن الناس صوتاً بالقرآن
الذي إذ سمعته يقرأ، رأيت أنه يخشى الله" رواه ابن ماجة.
والحقيقة أن الإنسان ليقف مبهوراً أمام هذا الحرص الرباني والنبوي
في التعامل مع كتاب الله عز وجل، للوصول إلى منتهى درجات الجودة والإتقان..
وهكذا يتكرر الموقف في كل أمر من أمور الدين والدنيا..
الجودة في التجارة من خلال الأدلة التالية:
قوله: "التاجر الأمين الصدوق، مع النبيين والصديقين والشهداء" للترمذي.
وقوله: "يا معشر التجار: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من
اتقى وبر وصدق" للترمذي.
وقوله : "إياكم وكثرة الحلف في البيع، فإنه ينفق ثم يمحق" لمسلم والنسائي.
وقوله: "الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للكسب" للبخاري.
وقوله : "البيعان بالخيار ما لم يفترقا. فإن صدقاً وبينا، بورك لهما في بيعها،
وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما".
ويقول : "إن الله يحب سمح البيع، سمح القضاء" للترمذي.